كان نوي شانج شابا وسيما، وكان في عمر يجب فيه على كل شاب التفكير جديا في امر الزواج، لكن بدا انه كان قليل الاهتمام بشأن الزواج وتكوين اسرة. لقد كان مكتفيا بحياة العزوبية، شغوفا بالقراءة واستكمال دراسته العليا، على امل ان يحصل على منصب اكبر مما يحصل عليه اقرانه.
وفي الاونة الاخيرة كان جاره “شين” يزوره كثيرا، ودائما ما كان يحادثه بشأن ضرورة الزواج، ويحذره بان من لا يتزوج من الطلاب تؤذيه الاشباح الماكرة التي تظهر لضحاياها في صورة ثعالب وتخدعهم، لكن نوي اخبره انه لا يخاف من هذه الاشباح، بل وضحك وسخر من كلماته. كان شين رجلا لئيما جدا، ودفعه غضبه من سخرية نوي للتفكير في ان يخيفه، لذا فقد اتفق مع فتاة من فتيات الملاهي ان تذهب ذات مساء الى نوي وتتظاهر بانها شبح.
وبالفعل في احد الليالي جاءت فتاة الملهى وقرعت باب نوي، وسألته ان يسمح لها بالدخول الى منزله. نوي كان حذرا، ولذلك لم يسمح لها ان تدخل منزله مهما ابدت من اسباب. وعلى الرغم من انه سخر من كلام جاره، الا انه كان يعلم بان الاشباح الثعالب لها القوة ان تظهر في صورة فتيات جميلة، وهو لا يريد ان يتعرض لاذى من هذه المخلوقات الماكرة.
في اليوم التالي اتصل شين هاتفيا بنوي ليعرف ما حدث. اخبره نوي بان شبحا جاء له فيصورة فتاة، وانه لم يستطع النوم تلك الليلة من الخوف. كان شين سعيدا بما سمعه ، وحكى له عن جمال احدى فتيات اللهو التي اتصلت به ذات يوم، وعن المسرات التي تمتعا بها سويا.
بعد عدة ليال زارت نوي فتاة اخرى، اعتقد نوي ان جاره يحاول ان يخيفه فقط، ففتح هذه المرة ودعاها للدخول. وكان معجبا جدا بجمالها. كان جماله بارعا ولا يتوقعه حتى في احلامه. سألها عن اسمها وعن موطنها وسبب مجيئها.
اجابت “اسمي لين. وانا اعمل مغنية باحد الملاهي في المدينة. وجئت لكي اسليك واؤنس وحدتك”. كانت عينيها تومض بسحر عجيب، وكانت ابتسامتها خلابة الى اقصى حد. صدّق نوي ما اخبرته به الفتاة، معتقدا ان جاره شين لم يبالغ في وصف جمال الفتاة على اية حال.. بعد عدة ساعات وعدته انها ستأتي لزيارته مرة اخرى بعد عدة ايام. وبالفعل زارته ثلاث مرات خلال اسبوعين.
كان نوي دائما ما يذاكر في الايام التي لا تأتي فيها لين، وذات ليلة كان مستغرقا في عمله، عندما دخل شخص بخفة الى منزله. ظن نوي بتلقائية انها لين، لكن الفتاة التي كانت تقف امامه كانت في الخامسة عشرة فقط من عمرها، كانت خصل شعرها تنسدل على جانبي جبهتها كأية فتاة عذراء اخرى بالمدينة. كان نوي يعلم انها ليست فتاة ملهى، فقد بدت رقيقة جدا في كلماتها وحركاتها، حتى ان نوي لم يخطر له انها قد تكون شبحا من الاشباح الماكرة. وسألها من تكون.
“لقد جئت من عائلة كريمة”، قالت الفتاة بنبرة عذبة. “واسمي ينج، سمعت انك تعاني الوحدة هنا برفقة كتبك، لطالما اعجبت بك وتمنيت ان اتعرف عليك. ولانه من المستحيل ان نلتقي ، فقد اتيت اليك بدون علم ابواي. انا احبك كثيرا، واريد ان اكون معك”.
تأثر نوي بهذا الاطراء، وشعر بشغف كبير في ان يعانقها. امسك يدها فلاحظ انها باردة، ذكرته ببرودة الطقس في الخارج..
وبعد عدة ساعات عندما ارادت الفتاة ان تغادر ، اعطته فردة حذاءها الانيق واخبرته انه عليه فقط ان يحملها في يده عندما يريد حضورها اليه، وانه ستعرف حينئذ انه يفر بها وستأتي اليه. لكن فقط في الليل، قالت الفتاة، حتى لا يعلم ابواها بذلك. ثم سألته: “هل اي شخص اخر يزورك؟”
اجاب نوي بثقة: “احيانا فتاة ملهى تأتي الي، لكن ليس كثيرا”، وحدقت بعيناها النجلاوين في رقة تترجاه ان يخبرها بالصدق. لم يقلق نوي اذ انها بدت غير مهتمة تماما بشأن الزائرة الاخرى ، لكنها حذرته قائلة: “يجب ان اكون حذرة الا اتي وهي موجودة، كما انك يجب ان تبقي علاقتنا في السر. انا لا احب ان اوصم بانني فتاة ليل”.
وعدها نوي بذلك وفي الليلة التالية لم تاتي لين فامسك نوي بفردة الحذاء، وفكر نوي بصاحبة الفردة، وخبط الفردة بلطف وتحسس انحنائتها بشغف كما لو كانت ينج ذاتها. وفي الحال حضرت ينج الى جواره. وتعجب نوي من سرعة مجيئها.
قهقهت ينج بمرح وقالت: “انا اعلم انك تتمنى مجئ مجددا، وانا كنت في انتظار في حالة ما اذا اتت فتاة الليل مجددا. وبما انها لم تاتي هنذا مجددا”.
تعانقا وقضيا الليلة معا. واصبحت ينج تأتي اليه ليلة تلو الاخرى. كان عليه فقط ان يخبط فردة حذاءها ويتمنى مجيئها فتأتيه في الحال.
وذات ليلة اتت لين وعندما حدقت في عيني نوي صاحت في هلع متعجبة : “ماذا فعلت بنفسك منذ تركتك اخر مرة؟” ثم اخذت تنتحب وهي تقول بصوت متقطع “هل لم تكن تنام جيدا؟ انك تبدو مريضا تماما”.
اجاب نوي انه ربما لم يكن يأكل بدرجة كافية كالسابق. وانه كان في كل الايام السابقة مستغرقا في دراساته وعمله.
“من الواضح انك لم تكن تعتني بنفسك. ان امي كانت مريضة ولذا لم استطع المجئ اليك الاسبوع الماضي ، اريدك ان تعدني انك لا ترهق نفسك بالعمل مجددا. وان تأكل جيدا”.
لكن عندما رأته لين مرة اخرى، صدمت بمظهره الذى بدا اسوأ من المرة السابقة. “انك تبدو شاحبا ومريضا، انا متأكدة انك تعاني من مرض روحي. اعتقد انك كنت تلعب لعبة الحب مع فتاة اخرى ، وهذا هو سبب شحوبك. اخبرني هل ما اعتقده صحيح؟ ومن هي ؟ وانا يمكنني ان اساعدك”.
لكن نوي انكر انه كان يرى اي فتاة اخرى ، لانه كان قد وعد ينج ان تظل علاقتهما سرا. على اية حال، اي شخص في مثل رقة ونعومة ينج يكون سببا في مرضه؟
لم تصدقه لين وفي الليلة التالية اختبأت خلف شجرة خارج منزله. لقد صممت ان تعرف ما اذا كان نوي كاذبا ام لا ، لم تنتظر طويلا قبل ان ياخذ نوي فردة الحذاء، ويخبطها بيده برفق، واذا بفتاة حقيقية تظهر كما لو كانت سحرا. ولين عرفت ان مخاوفها حقيقية. فاظهرت نفسها وفي الحال ارتعبت ينج وغادرت.
لين اخبرته: “انها شبح. لا عجب انك مريض هكذا!. انها كانت تسمم بدنك تدريجيا ، ويجب ان تتركها في الحال”. لسوء الحظ لم يتغلغل السم في جسدك، يمكنني ان اسحبه من جسدك باستخدام بعض الاعشاب الطبية. سوف احضر الاعشاب معي غدا، وسأقوم بتمريضك حتى تتعافى وترد اليك صحتك مجددا. لكن يجب ان تعدني انك لن تراها مجددا”.
لم يعتقد نوي ان ينج سوف تاتي اليه ثانية اذ انها افزعت من رؤية لين. لذلك وعد نوي لين الا يرى ينج ثانية، لأنه ضعيف جدا. احضرت لين الاعشاب وقامت بمداواة نوي حتى عادت اليه قوته كما في السابق.
ذات يوم قالت لين لنوي انها مضطرة للعودة الى البيت، وانها لن تراه لعدة ايام. وحذرته مرة اخرى من ان يكون على علاقة مجددا بالفتاة الشبح.
ولكن نوي لم يكن مقتنعا انه كان يعاني من مرض روحي وبدرجة اقل ان ينج كانت شبحا. ودفعه فضوله لمحاولة معرفة ما اذا كانت فردة الحذاء ما زالت بامكانها ان تحضرها اليه. اخذ الفردة ومسحها برفق مفكرا بجمال صاحبتها، وظهر ينج كالسابق.
بمجرد ان رأته لين مرة اخرى عرفت انه لم يحتفظ بالسر. “كان يجب الا تثمل بمحبة بفتاة من العالم السفلي، والا سوف تموت” اخبرته باسف. “قبل زمن سوف تعاني من مرض روحي وهذه المرة لن اكون بجوارك لمساعدتك.” ثم تركته.
اصبحت كلمات لين حقيقة بعد عدة اسابيع . اصبح نوي مريضا مرة اخرى . رقد على فراشه وبدأ جسدجه ينحف شيئا فشيئا. متمنيا ان تاتي لين لنجدته وبالفعل حضرت اخيرا. ولكن فقط لتخبره ان نهايته اضحت وشيكة. توسل اليها ان تنقذه فاخبرته بانه لم يتبع نصيحتها ولم ياخذ تحذيرها ماخذ الجد، وما السبب الذي يمكن ان يجعلها تداويه مرة اخرى ان كان سيعود الى ينج مجددا.
اخبر نوي لين عن فردة الحذاء، قائلا انه لن يعود يمسها ثانية. وانه بامكانها ان تأخذها وتحرقها. اخذ لين فردة الحذاء ومسحتها فظهرت ينج. وحالما ظهرت وبختها لين قائلة انها كانت السبب في مرض نوي.
“انا اعترف بذلك” قالت ينج والدموع تملا عينيها الساحرتين، “وقد جئت فقط لكي اطلب اليك ان تنقذيه. لو فعلت، اعدك انني سوف ان ارجع الى العالم السفلي، ولا اراه مجددا، لانني لا اريد ان اكون السبب في موته”.
بطريقة ما هدأت لين حينما رأت اسف ينج الواضح، اذ انها ركعت على ركبتيها راجية اياها ان تبذل ما في وسعها لانقاذ نوي، الذي اصبح يتألم بشدة وبالكاد يستطيع ان ياخذ انفاسه. وافقت لين ، وعملا الاثنان على مداواة نوي، خلط الاعشاب، وعمل تدليك للقلب والصدر، ولكنه بقى غير قادر على التنفس بانتظام.
عندئذ وضعت لين فمها على فم نوي، ودفعت بنفسها في جوفه، فعلت ذلك مرات ومرات حتى انهكت، لقد اعطته فقط قبلة الحياة، فعاش نوي ولكنه لم يعد في مقدوره ان يتنفس بسهولة كما في السابق، وفي النهاية ذهب في نعاس هادئ.
رأت ينج ان لين انقذت حياة نوي، فاخبرته بانها مضطرة الان الى ان تغادر ولن تعود مجددا. “اشكرك من اجل طيبتك.” قالت للين “لم يكن لدي فكرة ان مخلوقات مثلك يكون لديهن هذا القدر من الطيبة والتسامح وايضا المهارة في علاج المرضى”.
نظرت لين الى ينج بخوف وذهول، اذ ان الفتاة الشبح عرفت سرها ، ولكنها لم يعد لها القوة الكافية بعد ان انهكت في محاولة انقاذ نوي. وقالت: “نحن الاثنان متشابهان فيما يتعلق بالحب وعلاج المرضى”
اخبرتها ينج ان لا تخاف. نوي لن يعرف منها. وانها سوف تحتفظ بسرها وانها سعيدة ان نوي في ايد امينة.
مرضت لين نوي لعدة ايام ، وبنفس القدر الذي عادت الي نوي قوته هكذا كانت لين تفقد قوتها ويزداد شحوبها حتى اصبح نوي هو من يقوم بتمريض لين. ولكن لا شئ مما فعله نوي كان مجديا واخذت لين في الضعف شيئا فشيئا.
علمت لين انها تموت ومع اخر انفاسها اخبرته الحقيقة عن نفسها.
ترجمة: بشرى
عن كتاب: More Great Ghosts