العازب واشباح الليل

21767942_478368669216135_181514673055822727_nكان نوي شانج شابا وسيما، وكان في عمر يجب فيه على كل شاب التفكير جديا في امر الزواج، لكن بدا انه كان قليل الاهتمام بشأن الزواج وتكوين اسرة. لقد كان مكتفيا بحياة العزوبية، شغوفا بالقراءة واستكمال دراسته العليا، على امل ان يحصل على منصب اكبر مما يحصل عليه اقرانه.

وفي الاونة الاخيرة كان جاره “شين” يزوره كثيرا، ودائما ما كان يحادثه بشأن ضرورة الزواج، ويحذره بان من لا يتزوج من الطلاب تؤذيه الاشباح الماكرة التي تظهر لضحاياها في صورة ثعالب وتخدعهم، لكن نوي اخبره انه لا يخاف من هذه الاشباح، بل وضحك وسخر من كلماته. كان شين رجلا لئيما جدا، ودفعه غضبه من سخرية نوي للتفكير في ان يخيفه، لذا فقد اتفق مع فتاة من فتيات الملاهي ان تذهب ذات مساء الى نوي وتتظاهر بانها شبح.

وبالفعل في احد الليالي جاءت فتاة الملهى وقرعت باب نوي، وسألته ان يسمح لها بالدخول الى منزله. نوي كان حذرا، ولذلك لم يسمح لها ان تدخل منزله مهما ابدت من اسباب. وعلى الرغم من انه سخر من كلام جاره، الا انه كان يعلم بان الاشباح الثعالب لها القوة ان تظهر في صورة فتيات جميلة، وهو لا يريد ان يتعرض لاذى من هذه المخلوقات الماكرة.

في اليوم التالي اتصل شين هاتفيا بنوي ليعرف ما حدث. اخبره نوي بان شبحا جاء له فيصورة فتاة، وانه لم يستطع النوم تلك الليلة من الخوف. كان شين سعيدا بما سمعه ، وحكى له عن جمال احدى فتيات اللهو التي اتصلت به ذات يوم، وعن المسرات التي تمتعا بها سويا.

بعد عدة ليال زارت نوي فتاة اخرى، اعتقد نوي ان جاره يحاول ان يخيفه فقط، ففتح هذه المرة ودعاها للدخول. وكان معجبا جدا بجمالها. كان جماله بارعا ولا يتوقعه حتى في احلامه. سألها عن اسمها وعن موطنها وسبب مجيئها.

اجابت “اسمي لين. وانا اعمل مغنية باحد الملاهي في المدينة. وجئت لكي اسليك واؤنس وحدتك”. كانت عينيها تومض بسحر عجيب، وكانت ابتسامتها خلابة الى اقصى حد. صدّق نوي ما اخبرته به الفتاة، معتقدا ان جاره شين لم يبالغ في وصف جمال الفتاة على اية حال.. بعد عدة ساعات وعدته انها ستأتي لزيارته مرة اخرى بعد عدة ايام. وبالفعل زارته ثلاث مرات خلال اسبوعين.

كان نوي دائما ما يذاكر في الايام التي لا تأتي فيها لين، وذات ليلة كان مستغرقا في عمله، عندما دخل شخص بخفة الى منزله. ظن نوي بتلقائية انها لين، لكن الفتاة التي كانت تقف امامه كانت في الخامسة عشرة فقط من عمرها، كانت خصل شعرها تنسدل على جانبي جبهتها كأية فتاة عذراء اخرى بالمدينة. كان نوي يعلم انها ليست فتاة ملهى، فقد بدت رقيقة جدا في كلماتها وحركاتها، حتى ان نوي لم يخطر له انها قد تكون شبحا من الاشباح الماكرة. وسألها من تكون.

“لقد جئت من عائلة كريمة”، قالت الفتاة بنبرة عذبة. “واسمي ينج، سمعت انك تعاني الوحدة هنا برفقة كتبك، لطالما اعجبت بك وتمنيت ان اتعرف عليك. ولانه من المستحيل ان نلتقي ، فقد اتيت اليك بدون علم ابواي. انا احبك كثيرا، واريد ان اكون معك”.

تأثر نوي بهذا الاطراء، وشعر بشغف كبير في ان يعانقها. امسك يدها فلاحظ انها باردة، ذكرته ببرودة الطقس في الخارج..

وبعد عدة ساعات عندما ارادت الفتاة ان تغادر ، اعطته فردة حذاءها الانيق واخبرته انه عليه فقط ان يحملها في يده عندما يريد حضورها اليه، وانه ستعرف حينئذ انه يفر بها  وستأتي اليه. لكن فقط في الليل، قالت الفتاة، حتى لا يعلم ابواها بذلك. ثم سألته: “هل اي شخص اخر يزورك؟”

اجاب نوي بثقة: “احيانا فتاة ملهى تأتي الي، لكن ليس كثيرا”، وحدقت بعيناها النجلاوين في رقة تترجاه ان يخبرها بالصدق. لم يقلق نوي اذ انها بدت غير مهتمة تماما بشأن الزائرة الاخرى ، لكنها حذرته قائلة: “يجب ان اكون حذرة الا اتي وهي موجودة، كما انك يجب ان تبقي علاقتنا في السر. انا لا احب ان اوصم بانني فتاة ليل”.

وعدها نوي بذلك وفي الليلة التالية لم تاتي لين فامسك نوي بفردة الحذاء، وفكر نوي بصاحبة الفردة، وخبط الفردة بلطف وتحسس انحنائتها بشغف كما لو كانت ينج ذاتها. وفي الحال حضرت ينج الى جواره. وتعجب نوي من سرعة مجيئها.

قهقهت ينج بمرح وقالت: “انا اعلم انك تتمنى مجئ مجددا، وانا كنت في انتظار في حالة ما اذا اتت فتاة الليل مجددا. وبما انها لم تاتي هنذا مجددا”.

تعانقا وقضيا الليلة معا. واصبحت ينج تأتي اليه ليلة تلو الاخرى. كان عليه فقط ان يخبط فردة حذاءها ويتمنى مجيئها فتأتيه في الحال.

وذات ليلة اتت لين وعندما حدقت في عيني نوي صاحت في هلع متعجبة : “ماذا فعلت بنفسك منذ تركتك اخر مرة؟” ثم اخذت تنتحب وهي تقول بصوت متقطع “هل لم تكن تنام جيدا؟ انك تبدو مريضا تماما”.

اجاب نوي انه ربما لم يكن يأكل بدرجة كافية كالسابق. وانه كان في كل الايام السابقة مستغرقا في دراساته وعمله.

“من الواضح انك لم تكن تعتني بنفسك. ان امي كانت مريضة ولذا لم استطع المجئ اليك الاسبوع الماضي ، اريدك ان تعدني انك لا ترهق نفسك بالعمل مجددا. وان تأكل جيدا”.

لكن عندما رأته لين مرة اخرى، صدمت بمظهره الذى بدا اسوأ من المرة السابقة. “انك تبدو شاحبا ومريضا، انا متأكدة انك تعاني من مرض روحي. اعتقد انك كنت تلعب لعبة الحب مع فتاة اخرى ، وهذا هو سبب شحوبك. اخبرني هل ما اعتقده صحيح؟ ومن هي ؟ وانا يمكنني ان اساعدك”.

لكن نوي انكر انه كان يرى اي فتاة اخرى ، لانه كان قد وعد ينج ان تظل علاقتهما سرا. على اية حال، اي شخص في مثل رقة ونعومة ينج يكون سببا في مرضه؟

لم تصدقه لين وفي الليلة التالية اختبأت خلف شجرة خارج منزله. لقد صممت ان تعرف ما اذا كان نوي كاذبا ام لا ، لم تنتظر طويلا قبل ان ياخذ نوي فردة الحذاء، ويخبطها بيده برفق، واذا بفتاة حقيقية تظهر كما لو كانت سحرا. ولين عرفت ان مخاوفها حقيقية. فاظهرت نفسها وفي الحال ارتعبت ينج وغادرت.

لين اخبرته: “انها شبح. لا عجب انك مريض هكذا!. انها كانت تسمم بدنك تدريجيا ، ويجب ان تتركها في الحال”. لسوء الحظ لم يتغلغل السم في جسدك، يمكنني ان اسحبه من جسدك باستخدام بعض الاعشاب الطبية. سوف احضر الاعشاب معي غدا، وسأقوم بتمريضك حتى تتعافى وترد اليك صحتك مجددا. لكن يجب ان تعدني انك لن تراها مجددا”.

لم يعتقد نوي ان ينج سوف تاتي اليه ثانية اذ انها افزعت من رؤية لين. لذلك وعد نوي لين الا يرى ينج ثانية، لأنه ضعيف جدا. احضرت لين الاعشاب وقامت بمداواة نوي حتى عادت اليه قوته كما في السابق.

ذات يوم قالت لين لنوي انها مضطرة للعودة الى البيت، وانها لن تراه لعدة ايام. وحذرته مرة اخرى من ان يكون على علاقة مجددا بالفتاة الشبح.

ولكن نوي لم يكن مقتنعا انه كان يعاني من مرض روحي وبدرجة اقل ان ينج كانت شبحا. ودفعه فضوله لمحاولة معرفة ما اذا كانت فردة الحذاء ما زالت بامكانها ان تحضرها اليه. اخذ الفردة ومسحها برفق مفكرا بجمال صاحبتها، وظهر ينج كالسابق.

بمجرد ان رأته لين مرة اخرى عرفت انه لم يحتفظ بالسر. “كان يجب الا تثمل بمحبة بفتاة من العالم السفلي، والا سوف تموت” اخبرته باسف. “قبل زمن سوف تعاني من مرض روحي وهذه المرة لن اكون بجوارك لمساعدتك.” ثم تركته.

اصبحت كلمات لين حقيقة بعد عدة اسابيع . اصبح نوي مريضا مرة اخرى . رقد على فراشه وبدأ جسدجه ينحف شيئا فشيئا. متمنيا ان تاتي لين لنجدته وبالفعل حضرت اخيرا. ولكن فقط لتخبره ان نهايته اضحت وشيكة. توسل اليها ان تنقذه فاخبرته بانه لم يتبع نصيحتها ولم ياخذ تحذيرها ماخذ الجد، وما السبب الذي يمكن ان يجعلها تداويه مرة اخرى ان كان سيعود الى ينج مجددا.

اخبر نوي لين عن فردة الحذاء، قائلا انه لن يعود يمسها ثانية. وانه بامكانها ان تأخذها وتحرقها. اخذ لين فردة الحذاء ومسحتها فظهرت ينج. وحالما ظهرت وبختها لين قائلة انها كانت السبب في مرض نوي.

“انا اعترف بذلك” قالت ينج والدموع تملا عينيها الساحرتين، “وقد جئت فقط لكي اطلب اليك ان تنقذيه. لو فعلت، اعدك انني سوف ان ارجع الى العالم السفلي، ولا اراه مجددا، لانني لا اريد ان اكون السبب في موته”.

بطريقة ما هدأت لين حينما رأت اسف ينج الواضح، اذ انها ركعت على ركبتيها راجية اياها ان تبذل ما في وسعها لانقاذ نوي، الذي اصبح يتألم بشدة وبالكاد يستطيع ان ياخذ انفاسه. وافقت لين ، وعملا الاثنان على مداواة نوي، خلط الاعشاب، وعمل تدليك للقلب والصدر، ولكنه بقى غير قادر على التنفس بانتظام.

عندئذ وضعت لين فمها على فم نوي، ودفعت بنفسها في جوفه، فعلت ذلك مرات ومرات حتى انهكت، لقد اعطته فقط قبلة الحياة، فعاش نوي ولكنه لم يعد في مقدوره ان يتنفس بسهولة كما في السابق، وفي النهاية ذهب في نعاس هادئ.

رأت ينج ان لين انقذت حياة نوي، فاخبرته بانها مضطرة الان الى ان تغادر ولن تعود مجددا. “اشكرك من اجل طيبتك.” قالت للين “لم يكن لدي فكرة ان مخلوقات مثلك يكون لديهن هذا القدر من الطيبة والتسامح وايضا المهارة في علاج المرضى”.

نظرت لين الى ينج بخوف وذهول، اذ ان الفتاة الشبح عرفت سرها ، ولكنها لم يعد لها القوة الكافية بعد ان انهكت في محاولة انقاذ نوي. وقالت: “نحن الاثنان متشابهان فيما يتعلق بالحب وعلاج المرضى”

اخبرتها ينج ان لا تخاف. نوي لن يعرف منها. وانها سوف تحتفظ بسرها وانها سعيدة ان نوي في ايد امينة.

مرضت لين نوي لعدة ايام ، وبنفس القدر الذي عادت الي نوي قوته هكذا كانت لين تفقد قوتها ويزداد شحوبها حتى اصبح نوي هو من يقوم بتمريض لين. ولكن لا شئ مما فعله نوي كان مجديا واخذت لين في الضعف شيئا فشيئا.

علمت لين انها تموت ومع اخر انفاسها اخبرته الحقيقة عن نفسها.

ترجمة: بشرى

عن كتاب: More Great Ghosts

شبح مارلي وارواح عيد الميلاد الثلاثة

12_scrooge

في رواية “انشودة عيد الميلاد” ظهر شبح مارلي وارواح عيد الميلاد الثلاثة لبطل الرواية وهو سكروج البخيل.

اخترت هذا الاقتباس الذي يسرد ما حدث من تحول كبير في حياة سكروج بعد ان افاق من حلمه المرعب.

***

قرأ سكروج على شاهد القبر اسمه هو. فصرخ: “ايتها الروح اسمعيني! انا لست الرجل الذي كنته ولن اكون الرجل الذي تسبب في هذا اللقاء. لماذا تريني هذا الا اذا كنت قد فقدت كل رجاء لي؟

لم تعط الروح اي جواب لكن يدها بدأت تتحرك.

– سوف اكرم عيد الميلاد في قلبي. وسأحاول ان احافظ عليه السنة كلها. سأعيش في الماضي والحاضر والمستقبل. وستكون ارواح اعياد الميلاد الثلاثة معي ولن انسي الدرس الذي علموه لي.

وحاول سكروج ان يمسك يد الروح. ورفع يديه الى اعلى في توسل اخير، لكن الروح قد اختفت، ورأى حيثما كانت تقف .. قائمة سريره.

نعم كانت قائمة السرير هي قائمة سريره، وكان السرير هو سريره. والحجرة حجرته.

فكرر سكروج وهو ينزل من سريره قوله:

– سأحيا في الماضي والحاضر والمستقبل. وستساعدني الارواح الثلاث.

وذهب الى حجرة الجلوس، ودهش لما رآه وهتف في تأثر:

– ها هو الاناء والمشروب الساخن فيه، وها هو الباب الذي دخل منه شبح يعقوب مارلي، وها هو الركن الذي جلست فيه روح عيد الميلاد الحالي، وتلك هي النافذة حيث رأيت الارواح هائمة.. انها حقيقية! كل شئ حدث ! ها ها ها!

حقيقة كانت ضحكة رائعة لرجل لم يضحك لسنوات طويلة، وكانت بشرى لطابور طويل من ضحكات المستقبل.

قال سكروج:

– انا لا اعرف اي يوم هذا، انا لا اعرف ما المدة التي قضيتها مع الارواح الثلاثة.

وسمع اجراس الكنيسة تدق: دنج دونج، فركض الى النافذة وفتحها. لم يكن هناك ضباب انما نور الشمس الصافية الساطعة الذهبية .. وهواء طلق حلو.. واجراس تدق دقات البهجة.

***

tn_CBN-The-Old-Shoemaster-Christmas-Stories-Leo-Tolstoy

وصعد سكروج الى الطابق العلوي وارتدى افضل ملابسه، وخرج الى الشوارع اخيرا. كان الناس قد بدأوا يخرجون من منازلهم كما قد رآهم مع روح الميلاد الحالي.

ومشى ويداه من خلفه واخذ يتطلع اليهم في ابتسامة سعيدة. كان منظره يسر الناظرين ..

 

 

مدرسة الاشباح #2

لم يصغ يانج لنصيحة سونج وفي اليوم التالي غادر المنزل ليؤدي امتحانه. عندما وصل الى العاصمة، علم ان مقالاته النقدية احدثت هياجا وغضبا في المقاطعة وكان الممتحن غير متعاطف معه، متهما يانج باساءة التصرف.

القي يانج في السجن، وساءت صحته يوما بعد يوم ، حتى انه تمنى لوكان قد اخذ تحذيرات سونج محمل الجد.

ذات ليلة اعتقد يانج انه حلم في البداية حين رأى شنج ين، لكن سرعان ما تيقن انها هي بالحقيقة، عندما اعطته طعاما. اخبرته شنج ين ان استاذه في الجامعة تم اغواؤه ان يتهمه بهذه التهم المشينة، كما اخبرته ان اخاها سونج ذهب للمحكمة للدفاع عنه وتقديم التماس بخروجه. وانها ستأتي الليلة التالية لتخبره بما توصل اليه سونج.

عندما ذهبت اكل يانج الطعام فشعر بقوة جديدة تدب في جسده الواهن ورجاءا جديدا يملأ كيانه المنهك. لكن شنج ين لم تأت الليلة التالية كما وعدت، ولا الليلة التي تلتها ، اصبح يانج اكثر وهنا – وكل رجاؤه قد تبخر.

ثم ذات ليلة اتي اليه شاي لو ، لكنها كانت حزينة جدا ومحبطة الى ابعد حد. اخبرته ان طلب سونج من اجل اطلاق سراح يانج قد قوبل بالرفض، وانه هو ايضا قد سجن.

ظل يانج ضعيفا كما كان ولكنه حاول ان يروّح عن شاي لو ، ملقيا باللوم على نفسه. اخيرا اعطته شاي لو بعض المال ثم غادرت، قائلة انها يجب ان ترجع لتهتم بسونج.

احضر يانج اليوم التالي للمحكمة واوقف امام القاضي الذي سأله عمن يكون هالشاب الذي يدعى سونج تساي، والذي تقدم بالتماس من اجل اطلاق سراحه. كان يانج غير راغب في ان يسبب مشاكل اكثر لطلبته من الاشباح، لذا فقد ادعى انه لا يعرفه، حيث اخبره القاضي ان هذا الشاب قد مثل امامه ليضرب بالسياط ولكنه ما ان القى على الارض حتى اختفى. ظل يانج صامتا. اما القاضي – معتقدا ان اختفاء سونج علامة على براءة يانج – فقد اطلاق سراح يانج.

بالكاد يانج استطاع ان يصدق حظه الجيد. رجع الى منزله بأقصى سرعة، ووصل بعد الغسق مباشرة، لكن ما من احد كان في المنزل ليستقبله. وعندما ذهب الى النوم سمع اصوات نحيب وبكاء، لكن عندما نهض واضاء المصباح لم ير احدا.

في الايام التالية سمع يانج نفس الاصوات وهذا اصابه بحزن وقنوط شديدين. لم يعد يرى الجنيتان ولا سونج، وشعر بشوق شديد لرؤيتهم. وكلما جلس ليستذكر دروسه او خلى لنفسه غرق في التفكير فيهم. فكر يانج ان يكسر هذه الحالة بالزواج، لكن من اين له هذا وهو لم ينهي تعليمه بعد؟ لذا فقد بدأ يعمل بجد اكثر مما سبق يراوده الحلم بأن تكون له زوجة حنونة تشبه اما شنج ين او شاي لو.

ذات ليلة كانت اصوات النحيب اعلى من المعتاد، لكنها كانت اتية من خارج المنزل. نهض يانج من فراشه وذهب ليستطلع الامر. حين فتح باب المنزل وجد فتاة تقف بالباب. سألها عن الوقت الذي اتت فيه. اخبرته قائلة:

“لقد سافرت مسافة كبيرة والان انا متعبة لدرجة انني لا اقو على ان اخطو خطوة اخرى. لقد اخبرني البعض انك ستوفر لي مأوى.”

دعاها يانج للدخول وهو يفكر في جمالها، عينياها النجلاوين، واسنانها التي تشبه اللالئ. كان لا يزال يفكر في منظرها الشاحب ويتساءل في نفسه ما اذا كانت جنيّة اخرى، لذا فقد سألها قائلا:

– “من نصحك ان تلجأي لي؟”

لكن الفتاة سقطت عند قدميه مغشى عليها من التعب. رفعها يانج وانامها على فراشه، وسهر على رعايتها طوال الليل. وفي الصباح  عندما استيقظت قدم لها حساءا مغذيا. و تأكد حين اكلت انها ليست شبحا، ولكن ما ادخل الارتياب في قلبه انها كانت تردد اسمه اثناء نومها و تتلو بعض الفقرات التي كان يكتبها تلاميذه من الاشباح وهو فقط الذي يعرفها. لذا فقد كان في حيرة ولم يستطع ان ينتظر حتى يسألها مرة اخرى كيف اتت ومن اين.

وكان رد الفتاة:

“انا اعرف انني كنت مريضة ، بل ومشرفة على الموت، عندما اتت فتاة اليّ واخبرتني عنك وقيامك بالتدريس. وقالت ايضا انك في حاجة اليّ”.

كان يانج مذهولا من اجابتها ولذا فقد سألها:

– “هل الفتاة التي اتت اليك ذكرت لك اسمها؟”

– “لقد اخبرتني ان اسمها، شاي لو. هل تعرفها؟”

– “نعم اعرفها. هل قالت لك شيئا اخر؟”

احمر وجه الفتاة خجلا واطرقت برأسها الى اسفل وهي تقول:

“لقد اخبرتني انك تريد ان تأخذ لك زوجة.”

ادرك يانج انه ما من شئ اخر سيمنحه سعادة اكثر من ذلك ولكنه قال لها بأسى:

– “لابد ان عائلتك لا تريد لك الزوواج من رجل فقير”

– “لن تزوج الا بك”

وهكذا عندما علم اهلها بذلك رفضوا في البداية ولكن عند رؤية اصرارها قبلوا بزواجهما، وعاشا بعد ذلك سعيدين وانجبا بنتا تشبه بدرجة كبيرة شنج ين.

مدرسة الاشباح #1

مقدمة:

لا يبدو غريبا عن الصين التي ظلت لقرون عديدة بعيدة ومنعزلة عن بقية العالم ان ينشأ بها معتقدات عن الارواح مختلفة عن باقي بلاد العالم. الاشباح في الصين ليست تلك الارواح التي نعرفها والتي تظهر باشكال مخيفة وعادة تظهر بنفس مظهر المتوفى ، بنفس وجهه، وترتدي احيانا الاكفان التي دفنت فيها بالقبر، احيانا تظهر بدون رؤوسها، ولها اصوات مرعبة.

لكن الاشباح الصينية عامة – اذ انه يوجد استثناءات – ليست هكذا. انها عادة ما تكون مميزة عن الاحياء. انها كثيرا ما تكون فتيات جميلات اللاتي يرجعن من العالم الاخر ، لا لادخال الفزع في قلب الانسان ، بل ليداعبنه، او يغظنه، او يسقطن في الحب معه، او ليساعدنه في تحمل الاعباء والامتحانات الصعبة التي يجب عليه ان يجتازها قبل ان يصل الى اية مكانة رفيعة في هذا البلد الكبير.

الاشباح في الصين ليست اطيافا روحية مثلما هو شائع في الغرب. انها من اللحم والدم، وهي كثيرا ما تكون ايضا حيوانات، على الاخص الثعالب، اذ ان الصينيون يعتقدون ان كل المخلوقات لها ارواح.

***

سمع يانج شين عن منزل كبير وفخم ولكنه للاسف مسكون بالارواح، كان هذا المنزل يمتلكه في السابق مسؤول كبير، ولكنه الان اصبح فارغا ومهجورا. قرر يانج ان يطلب من المالك ان يسمح له ان يعيش هناك في مقابل العناية بالمنزل، كان المنزل يشبه تماما المنزل الذي تمنى يانج ان يمتلك يوما مثله. تقابل يانج مع ذلك المالك وقدم له عرضه. في البداية لم يقبل عرضه وقال له:

– “ايها الشاب، “لا احد استطاع ان يعيش هناك ليوم واحد. الاشباح التي سكنته من النوع الذي يسبب الازعاج لاي شخص يسكن فيه”.

– “لقد اعددت نفسي لهذه المخاطرة. انها مأساة كبيرة ان يترك هذا المنزل الفخم للاشباح والتي لا تهتم حتى لو تداعى وتحول الى خراب. ثق انني سوف اعتن به”.

هز الرجل العجوز كتفيه لاعلى وقال:

– “على العموم ليس لديّ ما اخسره ايها الشاب. لقد حذرتك، وانا لا ازال اراك مصمما ، يمكنك ان تتسلم المفتاح. لكن عند اول بادرة للمشاكل عليك ان تغادر المنزل. والا لن اكون مسؤولا عما يحدث لك”.

كان يانج قويا عنيدا لا يخشى شيئا، وفي الحال نقل كل امتعته الى المنزل الجديد. احتاج ان يتنقل بين منزله القديم والجديد ذهابا وايابا مرات كثيرة، اذ انه لم يكن معه من المال ما يدفعه لاستئجار عربة لنقل امتعته، وكانت شمس الاصيل ترسل اشعتها البرتقالية حين حمل لمنزله الجديد اخر امتعته.

كانت الكتب هي اثمن مقتنيات يانج، لذا فقد وضعها بعناية شديدة فوق طاولة، قرر انها ستكون مكتبا لدراسته، لكن عندما عاد ليضع فوقها اخر كتبه لم يجد اي منها هناك. بحث عنها كثيرا لكن لم يبدو ان لها اثرا في المنزل. عندما عاد الى الغرفة حيث ترك الكتب المفقودة، وجدها  ثانية على المكتب. كان يانج مندهشا لكنه على اية حال فرح بعودة اثمن مقتنياته، ذهب الى المطبخ ليطهو بعض الارز من اجل العشاء، لكن عندما عاد الى الغرفة حيث من المفترض ان يقرأ لبعض الوقت قبل النوم، وجد ان كتبه اختفت مرة ثانية.

بعد لحظات سمع صوت خفيف لوقع اقدام و ابصر فتاتين تحملان كتبه. كانتا تضحكان فيما هما تضعان الكتب ثانية على الطاولة.

استدارت الفتاتان وحدقتا في يانج، كانتا تظهران في ضوء الغسق الباهت بمظهر بشري، وبالكاد يصدق اي امرئ انهما شبحان، لكن عارفا انهما كذلك، لذا فقد ادار وجهه ولم يعرهما اهتماما. في حين انهما اقتربتا منه ولم تتوقفا عن الضحك.

كان قلب يانج يدق من الخوف حين تذكر تحذيرات مالك المنزل له. و على سبيل الدعابة احدى الفتاتان كانت تنخسه باصابعها، وكانت الاخرى تلطمه على خده لطمات، ومن ثم بدأتا في مضايقته ولم تتوقفا عن الضحك لكي يلتفت اليهما.

الان يانج بدأ في مراجعة اعتقاده بوجود الارواح ، ولولا انه رآهما بحدقة عينيه وهما تسيران مخترقتان الباب لم صدق انهما شبحان. ومع ذلك فقد بدا انهما غير مؤذيان وكأنهما طفلتان ولذا فقد بدأ يعاملهما على هذا الاساس.

صاح فيهما جاعلا نبرة صوته يبدو فيها ضجره الشديد على قدر الامكان:

– “اغربا عن وجهي، ايها الشبحان الغبيان! لماذا تريدان ازعاجي؟”، رغم ذلك، لم يتوقع ان يخافا ويبتعدا سريعا هكذا.

عادت اليه ثقته، اشعل فتيلا، وبدأ يقرأ ، لكن طوال الوقت كان شاعرا بوجودهما في الغرفة ومدركا من الظلال المتحركة في الركن المظلم. حاول ان يقصر تركيزه في الكتاب، لكنه لم يستطع ان يتجاهل تماما ذلكما الشبحان اللذان يقبعان في هدوء الان. لم يمض طويلا حتى استسلم وكف عن القراءة واستعد للنوم.

كان متعبا جدا بعد يوم طويل من العمل، لكن بمجرد ان اغلق عينيه اضطرب على اثر دغدغة في انفه. كان يهش مرات كثيرة ذلك الشئ الذي يدغدغه، لكنه كان دائما يعود.اخيرا عطس وبعدها سمع اصوات ضحكات مكتومة. نهض واشعل شمعة ، ثم رجع ثانية الى الفراش واغلق عينيه محاولا الانصات.

فتح يانج عينيه حين سمع صوتا واهنا. واحدة من الفتاتين كانت اتية الي يانج ومعها في يدها ريشة . ففي الحال قفز من السرير وصرخ فيها ففرت من امامه.. اخيرا بعد فترة طويلة قرر ان ينام ولكن هذه المرة استيقظ بشعورة بدغدغة في اذنه. وهكذا قضى الليل ساهرا . لم يستطع ان يحظى بأي قسط من النوم بسبب الجنّيتّان الصغيرتان حتى صاح الديك. ومن ثم ساد السكون واستغرق في النوم عميق، ولم يستيقظ حتى الظهر.

باقي اليوم كان هادئا وطبيعيا، و قام يانج ببعض النظافة وترتيب بعض الاثاث بحسب ذوقه. ثم ركن الى استذكار دروسه ، مدركا ان ربما يبتلى ثانية بهما، وما ان حول عيناه عن الكتاب حتى لمح زائرتيه الجميلتين يراقبانه . تجاهلهما واستمر في القراءة . ثم فجأة وقفت احداهما بقربه واغلقت الكتاب الذي بيده.

وثب يانج في غضب وصاح:

– “هل لا استطيع ان اجد راحة في هذا المنزل؟ لدي عمل مهم اعمله ، لذا فرجاءا ا ابتعدا عني.”

ابتعدتا الجنيتان، ولكن بمجرد ان عاد الى كتابه عادتا الى مضايقته. ظل يانج فاتحا كتابه مصمما على استكمال مطالعته، لكن احداهما جاءت من خلفه ووضعت يديها الباردة على عينيه. ومرة اخرى وثب يانج في غضب، بينما الجنيتان تضحكان عليه. ولذا فقد قرر امرا مختلفا. قال لهما بطريقة متوددة:

– “يجب علي ان اعمل واذاكر لكي اجتاز امتحاناتي، لماذا لا تكونا فتاتين طيبتين وتتركاني في سلام؟ اذهبا واعملا شيئا نافعا”.

هذا الاسلوب الجديد فاجأهما فتوقفتا عن الضحك ونظرتا اليه بطريقة متأملة. احدى الجنيتان همست في اذن الاخرى ومن ثم ابتسمتا معا ابتسامة حلوة وغادرتا الغرفة بعد ذلك. واستطاع يانج ان يسمع اصوات نشاط ما يقومان به في المطبخ، لكنه لم يعر للامر بالا، فقد وفق اخيرا في ان ينعم ببعض السلام.

بعد نصف ساعة تقريبا جاءت الجنيتان وبدأتا في وضع بعض اطباق الطعام التي اعددنها على طاولة الطعام. كانت الاطباق تبدو جمعيا حسنة المذاق، و رغم ان يانج كان جائعا الا انه كانت لديه بعض المخاوف في ان يأكل طعاما اعددته جنيّات. ربما وضعن به سما! لذا شكرهما واثنى على مجهوداتهما، وقال:

– “انا لست جائعا”، ورجع الى كتبه.

طلبت اليه الجنيّة الاكبر عمرا :

– “لو لم تأكل منه فانت لا تثق بنا، وكيف يمكننا ان نسلك سلوكا حسنا ان لم تثق بنا”.

تطلع اليها يانج في دهشة ، اذ انها تحدثت في صوت حلو دغدغ مشاعره. ووجد نفسه مجبرا ان يرد عليها قائلا:

– “بالطبع انا اثق بكما،”

قالت الجنيّة:

– “بما انك تثق بنا ، فيجب ان تأكل هذا الطعام الذي تعبنا في اعداده”.

فكر يانج انه اذا رفض ستستمر مضايقتهما له، وسيكون امرا عسيرا ان يبقى في المنزل. لذا فقد غرف من صحن الارز، تذوق بعضه، شعر انه ليس به اي اثر ضار، ومن ثم عبر عن روعة مذاقه وحسن طهيه، شعرت الجنيّتان بالفرحة والرضا.

بعد ان انهي وجبته ، جلسوا معا وتحدثوا. لكنهم لم يقولوا الا القليل عن نفسيهما. عرف يانج ان اسم الكبرى شينج ين والاصغر شاي لو ، لكنهما لم يخبراه بأي شئ عن عائلتهما، قالت له الجنيتان انه بما انهما جنيتان فلن يكون تفكيره بهما يصل الى الزواج فلماذا يكون فضولي؟

اجابهما يانج:

– “بما انني لم اكن اتصور ان التقي بجنيتان ساحرتان مثلكما حين اتيت هنا، فمن الطبيعي ان اكون فضولي، وخصوصا اننا سنحيا معا في هذا المنزلٍ”

– “لحسن حظك، الارواح الاخرى التي سكنت هذا المنزل هبطت الى العام السفلي بعد الحكم عليها، بينما نحن ننتظر مصيرنا وبما سيحكم به علينا. لكن لو اردت ان تبقى هنا، فسوف نظل نخدمك.”

لذا كان يانج قادرا ان يبقى ويعمل، وكانتا الفتاتان- اذ انه لم يعد يفكر بهما على انهما جنيّات- تحضران كل مساء عقب غروب الشمس وتنظفان وتطهوان الطعام له، حتى يتفرغ لعمله، ولم يعودا يضايقانه ، وعاش يانج سعيدا.

ذات يوم اضطر يانج ان يخرج ولم يرجع الا بعد غروب الشمس. عندما عاد وجد الفتاة الصغرى، شاي لو، جالسة الى مكتبه مستغرقة في نسخ الكتاب الذي كان يطالعه. ارته ما كانت تفعله فاثني عليها قائلا:

– “لكن يوجد امامك فرصة ان تكوني افضل،” هكذا اخبرها بابتسامة، واردف: “لو اردت، سأعلمك الكتابة”.

سرت شاي لو بذلك الاقتراح، لذا فقد اجلسها يانج على ركبته، وامسك بيدها واراها كيف تمسك القلم بطريقة صحيحة. وفي تلك اللحظة دخلت شنج ين ، وعند رؤيتهما هكذا ، احمرت وجنتاها اذ شعرت بغيرة من اختها.

عند رؤية يانج ذلك، انزل يانج من على ركبته شاي لو، ومن ثم اجلس شنج ين بدلا منها، قائلا:

– “دعيني اعلمك كيف تمسكين القلم، يا عزيزتي”، وبابتسامة على ثغرها راحت الفتاة تكتب بينما يمسك يانج بمعصمها.

شعر يانج ان كلا الفتاتين يحبان التعلم، لذا فقد اعطى كلا منهما قطعة من الورق وطلب اليهما ان ينسخا فقرة من احد الكتب، وبينما هما منهمكتان في فرضهما الدراسي كان لديه فرصة لاكمال مطالعاته. وعندما انتهيا، احضرا ما كتباه واعطاهما يانج درجات. حصلت الصغرى على درجات اعلى . لذا فقد اضطر يانج ان يشجع شنج ين بكلمات تحفيزية، وقال لها ان هي عملت بجد ستتحسن بسرعة.

وبالتالي اصبح يانج مدرسا للجنّيتان، وعندما تحسنت كتابتهما علمهما يانج كيف يقرآ. لقد كانتا طالبتان مجتهدتان وعندما يحفظا شيئا لا ينسياه مطلقا.

اصبح يانج مدرسا للجنّيتان، وعندما تحسنت كتابتهما علمهما يانج كيف يقرآ. لقد كانتا طالبتان مجتهدتان وعندما يحفظا شيئا لا ينسياه مطلقا.

ذات مساء احضرت شنج ين اخاها الصغير، سونج، وهو فتى وسيم ، ولكنه ايضا، مثل اخته الجميلة، كان جنيّا، رحل عن العالم في عمر صغير، تقريبا ستة عشر عاما. هل يمكن ان يصبح سونج تلميذا ليانج ايضا؟! وافق يانج، واثبت سونج انه ولد ذكي جدا. في زمن ليس بالطويل استطاع ان يقرأ قطعا ادبية من الكلاسيكيات ويكتب القصائد.

كان يانج مسرورا بنجاح مدرسة الاشباح التي رعاها. الدروس جعلت من هذه الارواح المشاغبة منشغلة ومنصرفة عن مضايقته ، وواصل يانج دراسته وعمله واستطاع كسب بعض المال من كتابة المقالات النقدية الساخرة على الاحداث الجارية في احدى المجلات، والتي اصبحت مشهورة، وان ظلت غير شعبية.

اخيرا، جاء اليوم عندما اضطر يانج لمغادرة المدينة لاداء الامتحانات، ودع طلبته من الاشباح. كان ممتنا حينما قوبل هذا الخبر باسى. بكت الجنيّات و كان سونج شاعرا بالشؤم وبأن احداثا سيئة وشيكة الحدوث، ولذا طلب من يانج الا يغادر قائلا:

– “لو غادرت، فان كوارث مخيفة ستقع عليك”.

ايليشا العجوز والشبح

كانت سيدته قد ارسلته لتحصيل مبلغا كبيرا من المال، ولكنه اضاعه في طريق عودته فما كان منه الا انه شنق نفسه. وفيما بعد وجده جاره ايليشا وسلمه الى السيدة التي اعتبرته مال شؤم، فقالت له: انه من نصيب من وجده. كاد قلبه يطفر من الفرح لحصوله على مبلغ كبير كهذا .. حين عاد الى بيته كان الليل قد انتصف.. نظر ايليشا العجوز الى زوجته التي كانت تغط في نومها، هز رأسه واطفأ النور، صعد الى فراشه واستلقى على ظهره متطلعا الى الواح السقف الخشبية التي كانت فوق رأسه مباشرة.. واخذ ينصت الى اصوات الحشرات وهي تطير مرتطمة بالجدران، والى غطيط زوجته بجواره وحفيف قدمها تحتك بالاخرى، وجلبة الماشية في حظيرتها بالخارج. وانقضى وقت طويل قبل ان ينام، بزغ خلاله القمر، فأضاءت اشعته الكوخ، واستطاع ان يرى “اكسينيا” نائمة وشيئا لم يستطع ان يتبين ما اذا كان سروال ابنه وقد نسيه او وعاء غسيل وضعته زوجته هناك.. ولعله كان قد بدأ ينعس – اذ ذاك .

والظاهر ان الروح الشريرة التي قادت بوليكي جاره الي الانتحار، والتي كان كل من في منزله قد شعر بوجودها – في تلك الليلة البائسة – قد بسطت اجنحتها عبر القرية الي الكوخ الذي كان يرقد به.. ومهما يكن الامر، فقد احس بوجود الروح الخبيثة فاضطرب، ولم يعد في وسعه ان ينام، ولا ان ينهض. وبعد ان لاحظ الشئ الذي لم يستطع ان يتبينه، تمثل امامه بوليكي و هو مدلى من السقف بعد ان شنق نفسه ويديه اللتين تأرجحتا!

وفجأة خيّل له ان شخصا مر بجوار النافذة، فقال لنفسه: “من عساه يكون؟.. أيكون شخص موفد من قبل شيخ القرية وقد اقبل يحمل مذكرة لامر ما؟”. وسمع زقع اقدام في فسحة الدار ، فتساءل : “كيف فتح الباب؟ .. او لم تضع زوجتي المزلاج؟”. وبدأ الكلب يعوي في فناء الدار، والروح الشريرة – كما  حدس الشيخ فيما بعد – تخطو في الردهة وكأنها تبحث عن الباب. ثم مرت وبدأت تتحسس الجدار، وتعثرت في وعاء فوقع على الارض محدثا صوتا. ثم عادت تتحسس ، وكانها تبحث عن المزلاج الذي يغلق الباب، وامسكت به ورفعته.. وسرت في جسد العجوز قشعريرة. ورفعت الروح الشريرة المزلاج ودخلت متخذة شكل انسان .. وادرك ايليشا انها الروح الشريرة، فحاول ان يرسم الصليب على صدره ، ولكنه لم يقو… وسار الشبح الى المنضدة التي كانت مكسوة بمفرش، فجذبه وألقاه على الارض ، وشرع يصعد الى السرير الذي يرقد هو وزوجته عليه!.. ادرك حينها ان الروح اتخذت شكل بوليكي جاره المنتحر وقد كشر على انيابه وراحت يداه تتأرجحان حوله.. وصعد ، ثم ارتمى على صدر العجوز وبدأ يخنقه!

وقال بوليكي :

ان النقود لي.

فحاول ايليشا ان يقول :

دعني .. لن امسها!

ولكنه لم يقو .. واخذ بوليكي يثقل عليه وكأنه جبل يكاد يسحقه..

كان ايليشا يعرف انه لو يتلو صلواته لانصرفت الروح بعيدا عنه ، ولكنه لم يستطع ان ينطق بكلمة..

وصدر عن حفيده الذي كان يرقد بجواره صرخة عالية وشرع يبكي، فقد دفعه جده الى الحائط وراح يضغطه فيه. وفكت صرخة الطفل عقدة لسان الشيخ، فانطلق يقول : “ليقم الله..”، فبدأ ثقل الشبح يخف.. ” وليتبدد من امام وجهه كل مبغضي اسمه القدوس” وهبط الشبح عن السرير، واستطاع ان يسمع صوت ارتطام قدميه بالارض، فمضى يردد تباعا كل ما كان يعرفه من صلوات.. وسار الشبح الى الباب وصفق الباب خلفه، فهز الكون بأسره. ومع ذلك فقد ظل الجميع نياما ، عدا الجد والحفيد. فقد كان الجد يتمتم بالصلوات وهو يرتجف، بينما كان الحفيد يرهق نفسه بالبكاء والنوم يغالبه.

وعاد الهدوء يسيطر على الكوخ، فظل الشيخ راقدا في مكانه. وصاح ديك من خلف الحدار.. وسمع نقنقة الدجاج، وصوت ديك صغير يحاول ان يجاري الديك الكبير في صياحه، دون ان يوفق. وتحرك شئ على ساق الشيخ.. واذا به قطة ما لبثت ان قفزت الى الارض دون ان تحدث صوتا. وراحت تموء بجوار الباب تريد الخروج. ونهض الشيخ ففتح النافذة ، ورسم الصليب على صدره، ثم خرج حافيا الى فناء الدار، حيث كانت الخيل. وكان من السهل ان يتبين المرء ان الشبح قد مر بالمكان، فان الفرس التي وضعت من عهد قريب، كانت تقف الى جوار وعاء به علف، وقد التف الحبل الذي ربطت به حول ساقها، وراحت تنتظر ان يأتي صاحبها ويخلصها.. اما رضيعها ، فقد تعثر وسقط على كوم من الروث. فأنهضه الشيخ واقامه على اقدامه. وخلص الفرسة وقدم لها علفا ثم عاد الى الكوخ.

واستيقظت العجوز ، فقال لها : “ايقظي الولدين، فاني ذاهب الى المدينة !”. ثم تناول شمعة رفيعة فأشعلها وهبط بها الى المخزن. وعندما صعد ثانية كان النهار قد انبلج اذ استيقظ الشباب متأهبين للذهاب الى العمل واخذت النساء يرحن ويجيئن.

شبح آن بولين

لم تكن سمعة الملك هنرى الثامن حسنة. تعامله السئ مع زوجاته الستة – حيث ان اثنان منهما اتهمهما بالزنا واعدمهما – جعله يدخل التاريخ كواحد من ابشع سفاكي الدماء.

عندما مات عن عمر ليس بالكبير، حيث كان عمره ستة وخمسون عاما عندما مات. كان كتلة هائلة من اللحم ، بدينا جدا ونهبا لكثير من الامراض، حتى انه لم يكن يقو على الحركة. نقلت جثته بعد موته من وستمنستر الى ويندسور، واودع في منزل سيون . وخلال للليل انفجرت الجثة ودخلت الكلاب لتلحس دماء الملك الميت. كثير من الناس اعتقد ا ان ذلك حدث على مثال ما حدث لاخاب الملك الشرير.

لكن روح الميت حظيت بالراحة ظاهريا. وهذا فاجأ الكثير الذين اعتقدوا ان روح الملك ستعود كشبح لتسكن بعض الاماكن التي شهدت شروره.

في الحقيقة اثنتان من زوجاته اعدمتا، هما آن بولين وكاثرين هاوارد ، اللتان بدى ظاهريا ان ارواحهما لم تهنأ، وهامتا كارواح مضطربة، بينما زوجهما يرقد بسلام في مقبرته الملكية.

لا يجب ان نفاجئ لهذا العدالة الغائبة ظاهريا. فليس لنا ان نسأل عن الحكمة المخفية لحكمة السماء. كما علينا الا ننسى انه ولا هؤلاء الملكات الصغيرات لانجلترا تبرأن تماما من كل العيوب الاخلاقية وهذا مما يدعو للاستياء بلا شك.

آن وكاثرين كن قريبات. على الرغم من انه ولا واحدة منهما تمنت في صباها انها ستصبح ملكة. والد آن كان السير توماس بولين. امه كانت ابنة توماس هاواد وهو الدوق الثاني لنورفولك . في صباها ذهبت آن لفرنسا وتعرضت لتأثير المجتمع المتدني اخلاقيا. اختها ماري اصبحت محظية او عشيقة للملك. فشلت كاثرين ان تنجب وريثا للعرش.

بالتأكيد ظاهريا ان آن كان لها من النجاح اكثر من اختها ماري. لكن رغم ان ماري فقدت سمعتها لكنها على الاقل احتفظت بحياتها. لقد اتهمت بابشع الجرائم السحر والدعارة. جريمتها الحقيقية كانت مثل كاثرين انها لم تنجب وريثا للعرش ، تحول هنري عنها ولم يكن يدري انها ستصبح اشهر ملكات انجلترا واحبهم الى القلوب.

يوجد كثير من الجدل حول ذنب آن..  ان بولين لم تصبح من اشباح انجلترا المشهورة لكن اسمها سجل وردد عبر اربعمئة عام في التاريخ. لقد بدأت تهم السحر والشعوذة من هنري الذي اتهمها انها سحرته. لقد اشيع عنها انها في طفولتها كانت تكره اجراس الكنائس، ولكي يتزوج من آن تصالح الملك هنري مع روما وبالتالي احضر البروتستانتية من انجلترا. جرائم لاتوصف عزت اليها. عندما قطعت رأس الاسقف فيشر في ١٥٣٦ م.

لرفضه تجليس هنري كرأس للكنيسة ، احضر رأسه على طبق اليها وقيل انها ارادت ان تقتل بالسم كاثرين والاميرة ماري.

واجهت حكم الاعدام بشجاعة فائقة.. لكن روحها التي لم تهنأ سكنت العالم في عدة من الاماكن التي عاشت فيها حيث شوهد شبحها الكثير التجوال في نورفولك وخصوصا كل عام في يوم ذكرى اعدامها . شوهدت ايضا كطيف تجلس وتمسك برأسها في حجرها، في عربة تجرها خيول بلا رؤوس ثم تختفي. (العربة كطيف والخيول كانت من التقاليد عن السحرة ).

وقيل ايضا ان رجل شاهد طيفها الابيض. وانه نادى عليها، ولكن لم يكن من رد. لذا استخدم سلاحه ليطلق النار، لكنه صعق بصدمة حارقة واغشى علبه وحين افاق سؤل عم رآه فذكر فتاة باوصاف آن بولين. ويقال ان شبحها سكن ايضا في البرج حيث واجهت آن المحاكمة الظالمة. ويقال ايضا ان هذا البرج شهد مقتل مارجريت ونتيسة وهي زوجة اخرى لهنرى الثامن ومن ضحاياه العديدون.

نقمة هنري وقعت على عائلة بولين ايضا، استمر والد بولين عائشا في قلعة هيفر، لم يكن لديه ضمير مستريح بسبب انه اعلن انه يعتقد ان ابنته كانت مذنبة بالفعل وكذلك فعل عمها، وربما فعلا ذلك ليحتفظا بحياتهما. وقيل ايضا انه لم يجد راحة في الموت بل كانت تتبعه حشود من الارواح الشريرة تصرخ. وبعد ان اعدم الملك هنري اخو آن بولين اللورد روتشفورد ، قيل ان جثته المقطوعة الرأس شوهدت كشبح تجرها خيول بلا رأس.